من هلامية المنهجية عند أحد المدعين للعلمية قوله: أنه عندما يبحث في قضية أنه يلغي كل نتائج سابقة قد سبقه إليها غيره، فإن كل شيء عنده خاضع في منهاجه للبحث والتساؤل والغربلة والتشريح من أصغر الأشياء وصولاً إلى الذات الإلهية، وأنه يفصل لكل مسالة يبحثها منهاجًا خاصًا بها، وقد أدت هلامية منهاجه إلى فساد نتائجه، ولذلك قالت له إحدى الطالبات ( كلما قرأت لك احترمت عمق فلسفتك، ولكن كلما تعمقت فيما تكتب وجدت تناقضات تشتت " العقل " انتهى )، فانعدام الضوابط العلمية عند هذا العَلماني (بفتح العين) جعلته بجهله يقول أن الذات الإلهية عنده قابلة للتساؤل والغربلة والتشريح وهذا غرور وجهل مركب , فالإيمان بالغيب دعامة أساسية من دعامات الإيمان الستة وقد بين الله تعالى في بداية سورة البقرة صفات المهتدين بآيات الله فقال سبحانه (الم{1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{4} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{5}) [البقرة: 1-5].
فالإيمان بالغيب أول صفة من صفات المهتدين بالقرآن وهو من التقوى، (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) وهم لا يلغون كل ما سبق , ولا يحكمون عقولهم في كل شيء , وما لا يدركه عقله اعتبره غير صحيحًا، هذه منهجية هلامية فاسدة، وعقيدة باطلة، فالمؤمنون (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ) والمعلوم أن هناك ضوابط علمية لإجراء البحوث والتجارب العلمية منها: تحديد مشكلة البحث، وتحديد مصطلحات البحث، وتعريف الدراسات السابقة في البحث، وإجراء تجربة النتائج التي تجرى للحصول على النتائج، وإجراء تجربة ضابطة لضبط المتغيرات في التجربة من حيث الوقت والعوامل البيئية الخارجية، والعوامل الحيوية الداخلية، وهناك النتائج، والاستنتاج العام من التجربة.
وقد حوى القرآن الكريم في الآية (259) من سورة البقرة أسس الضبط العلمي التجريبي وهذا ما سنوضحه بإذن الله في السطور التالية، ونبدأ بالآية حيث قال الله تعالى: ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{259} ) [البقرة: 259].
قال الشيخ حسنين محمد مخلوف رحمه الله(1):
أنى يحيي: كيف، أو متى يحيي ؟
لم يتسنه: لم يتغير مع مرور السنين عليه.
ننشزها: نرفعها من الأرض لنؤلفها.
قال الشيخ عبدالرحمن بن السعدي رحمه الله(2):
( فهذا الرجل مر على قربة قد دمرت تدميرًا، وخوت على عروشها، وقد مات أهلها، وخربت عمارتها، فقال على وجه الشك والاستبعاد " ويقول البعض على وجه التعجب والاستفسار "(3) (أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) ؟ أي: ذلك بعيد وهي في هذه الحال، يعني وغيرها مثلها بحسب ما قام بقلبه تلك الساعة، فأراد الله رحمته ورحمة الناس حيث أماته الله مئة عام، وكان معه يا كلب فأماته معه، ومعه طعام وشراب، فأبقاهما الله بحالهما كل هذه المدة الطويلة , فلما مضت